د. منى يكن تحاضر في مؤتمر "تجديد
الخطاب الديني" في دمشق : دور الخطاب الإسلامي الجديد في حل إشكاليات الخطاب
الديني
برعاية وزير التعليم العالي في سورية الدكتور هاني مرتضى وبدعوة من مركز
الدراسات الاستراتيجية، ومركز الدراسات الإسلامية، عقد في مدرج جامعة دمشق
مؤتمر "تجديد الخطاب الديني" بمشاركة وفود من سبع دول عربية هي: مصر، ولبنان
والأردن وقطر وفلسطين والسعودية وسورية.
وقد تحدث من لبنان الداعية الدكتور فتحي يكن عن "فقه الخطاب الاسلامي وحتمية
تطوره" –ننشر له خلاصة في العدد المقبل-كما تحدثت رئيسة جامعة الجنان الاستاذة
الدكتورة منى حداد يكن بعنوان "دور الخطاب الإسلامي الجديد في حل إشكاليات
الخطاب الديني" تناولت في كلمتها اهمية الخطاب الديني ودوره امام الاستفزاز
الغربي، ومواصفات الخطاب الجديد والمعوقات امامه، من خلال أربعة أبواب هي:
الباب الأول: اهمية الخطاب الديني بين الشكل والمضمون
الخطاب الديني ليس كأي خطاب آخر، فهو الخطاب الأقدم عبر التاريخ، وربما الأكثر
تأثيراً بكافة اشكاله "الخطاب السماوي، الخطاب الوثني". ولا يزال حتى يومنا هذا
يشكل عنصراً هاماً من عناصر تكوين الأمم وثقافاتها وممارساتها، كل الأمم
المتقدمة والنامية. انه الخطاب الذي ما يلبث ان يخبو حتى يبعث من جديد، وهذا
ليس حكراً على امة من الأمم بل اضحى شاملاً لكل الأمم قاطبة، وما الأحداث
التاريخية المتواصلة الا دليلاً يشير إلى ذلك: فسقوط الاتحاد السوفياتي رافقه
عودة سريعة للدين (المسيحي والاسلامي) رغم سنوات الالحاد المفروض من قبل
السلطة. والتحولات الجيوسياسية في المنطقة العربية رافقها صحوة اسلامية كبيرة.
وحتى الحروب الأميركية الحديثة بدأت تستغل الخطاب الديني، وما ورد على لسان
الرئيس بوش عن حربه الصليبية على المنطقة العربية انما هو لاستفزاز الشعور
الديني المسيحي. وليس بعيداً عن ذلك الخطاب الديني اليهودي. والصهيونية
بالتحديد التي طوعت الخطاب الديني لمصالحها، وبعض الفئات المسيحية التي تأثرت
بها وما بات يعرف بالمسيحية-الصهيونية التي تتبنى الأحلام والتنبؤات اليهودية
حول مصير العالم ونهاية الأمم. وقد ساد هذا الخطاب الديني ابان الغزو الأمريكي
للعراق وأثر بعمق في تكوين الرأي العام الأمريكي.
اذاً، اهمية الموضوع تكمن في اهمية الخطاب الديني وكبير أثره، وسوف اتناول
حصراً الخطاب الديني (الاسلامي) بإشكالياته التي ظهرت، وما هو دور الخطاب
الاسلامي الجديد في حل تلك الاشكاليات.
ثم ان معرفة اشكالية الخطاب الديني تستدعي بداية معرفة هذا الخطاب، مضمونه،
مكوناته، وتلك خطوات اولية لا بد من التبحر بها. وان معظم الاشكاليات التي تقع
في طريق الباحثين بأن معظمهم يبحثون في ظاهر الخطاب دون الخوض في مفرداته، ودون
التعاطي مع الظروف الموضوعية التي أنشأته، وهنا يكمن قصر النظر في معالجة
الموضوع ويبقى دون حل، بل ربما يتفاقم إلى درجة يصعب معها الاحاطة به، فللخطاب
الديني مضمون وظروف من جهة وموقع من جهة اخرى وكلاهما مرتبط بالآخر.
الباب الثاني: الدين والخطاب الديني-العربي.
تجدر الاشارة إلى ان الخطاب الديني هو غير الدين، بمعنى ان الدين بما يحتويه من
عقيدة وشريعة هو الأصل وهو المعيار الصحيح الذي تقاس عليه الأشياء وهذا ما
يعتقده المسلمون.
اما الخطاب الديني فيتجسد بإلقاء الضوء على بعض الجوانب في الدين وابرازها اكثر
من غيرها بحسب ما تمليه الظروف، وهذا الخطاب يمكن احياناً ان يجتزئ من التصور
الديني العام او ان يغلو في بعض الجوانب مما يشكل تشويهاً للدين. وفي احيان
اخرى يمكن ان يشكل خطاب ديني موجه من بعض الفئات المحلية او الاقليمية او
الدولية من اجل تحقيق مصالح خاصة بغطاء ديني تمويهي يسهل من عملية التأثير
والسيطرة، كالخطاب الديني الجهادي في افغانستان والشيشان الذي حصر له لأهداف
دولية وقد احسن فيه استغلال الخطاب الديني مما اساء إلى الدين نفسه، ويمكن ان
نفهم ذلك اذا القينا الضوء على المرحلة اللاحقة بحيث تغير الخطاب الديني من
خطاب جهادي ضد السوفيات إلى خطاب تبريري توافقي مع الاحتلال الأمريكي الجديد.
اذاً، الخطاب الديني هو استعمال للدين واستغلال له في بعض المواقع لخدمة اغراض
خاصة.
اما على صعيد منطقتنا العربية فإن الخطاب الديني وموقعه في الساحة الفكرية لا
يمكن تحديده الا من خلال الظروف العامة المحيطة التي تؤثر في تكوينه.
وقد مر الخطاب الديني-العربي بعدة مراحل منذ فترات الاستقلال يمكن تلخيصها بما
يلي:
خطاب ينظر إلى اوروبا بداية ثم امريكا على انها دول امبريالية
خطاب ينظر إلى اوروبا ثم امريكا على انها دول متقدمة يجب اتباعها
خطاب يرى النهوض من خلال التقليد للغرب
خطاب يرى النهوض من خلال العودة إلى التراث
والخطاب الديني-العربي له عدة مصادر ومرجعيات منها المرجعيات الرسمية المتمثلة
بمراكز الافتاء، ومنها المرجعيات المتمثلة بالحركات الاسلامية وكذلك المرجعيات
الثقافية للمفكرين والأساتذة. وكل منها له خطابه الخاص ونادراً ما تلتقي تلك
الخطابات في ضمة واحدة.
لقد تعاقب الخطاب الديني في المنطقة صعوداً وهبوطاً عبر محطات اساسية وحاسمة
اثرت بها قضية فلسطين تأثيراً مباشراً وكذلك الحروب الاسرائيلية-العربية فكان
الخطاب القومي-العربي المعادي لاسرائيل، ثم اتت هزيمة حزيران 1967 فتغير معها
الخطاب إلى ان وقع الرئيس المصري السابق انور السادات 1979 اتفاقية كمب دافيد
فانقسم الخطاب الديني والرسمي إلى عدة خطابات متنافرة ومتصارعة.
خطاب الجهاد والحرب وخطاب السلام والتطبيع. ثم خطاب السلام الذي انقسم بدوره
إلى السلام العادل والشامل مقابل خطاب سلام الأمر الواقع. ونتج عن ذلك اتجاهات
واضحة التباين منها: الاتجاه الذي يرى ضرورة العودة إلى الاسلام بعد سقوط مختلف
التجارب الأخرى (الخطاب السلفي-الحركي) والاتجاه الذي يدعو للانقطاع عن التراث
والانطلاق نحو الغرب والاتجاه الذي يقع بين الاثنين وهو اتجاه توفيقي تلفيقي.
ورغم تعدد الاتجاهات فإن كلاً منها يتضمن اكثر من خطاب لأنه من الصعب التحدث عن
خطاب ديني واحد.
الباب الثالث: الخطاب الاسلامي الجديد ودوره امام الاستفزاز الغربي:
ويمكن القول ان دور الخطاب الاسلامي الجديد في حل اشكاليات الخطاب الديني دور
صعب ومتشابك، وان السيطرة على الخطاب الديني وحسن توجيهه في الاطار والهدف
الديني الصحيح امر في غاية الصعوبة حيث ان الواقع ممتلئ بالحساسيات التي تستفز
هذا الخطاب وتفعله(بعلم ممن يتبناه ام دون علمه).
فالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، وقيام دولة إسرائيل والدعم الأمريكي
المتواصل لها، سوف يساعد على خلق خطاب ديني متطرف إلى اقصى الحدود، وهذا الخطاب
بالرغم من انه مستمد من الواقع الا ان التاثيرات الخارجية هي التي استفزته
وحرضته. فالعلاقة الأمريكية الصهيونية المتميزة هي المسؤولة عن هكذا خطاب وعن
تداعياته، فالتمييز الأمريكي امر واضح وقد سبق وعبر عنه نائب الرئيس نيكسون
للأمن القومي روبرت كرين عندما قال:"الواقع ان امريكا تقاد من قبل الصهيونية"،
ولذلك فهم يعتقدون بأن استعمال اية قوة ضد اليهود او ضد المصالح الأمركية هو
ارهاب. كما يعتبرون أن كل انسان يجابه إسرائيل (ارهابياً). وليس بعيداً عن ذلك
ما قاله الجنرال الأمريكي وليام بويكن نائب وكيل وزير الدفاع الأمريكي لشؤون
الاستخبارات في حشد في كنيسة (الراعي الصالح) في ساندي/اوريغون في 21 كانون
الأول 2003م. "فيما نسأل انفسنا لماذا يكرهوننا كثيراً؟ (أي المسلمون والعرب)
الجواب اننا امة مسيحية، لأن اساسنا وجذورها هي المسيحية اليهودية… هذا يعني ان
لدينا التزاماً امام إسرائيل.. هذا يعني ان التزامنا لها غير قابل للانتهاك".
وليس أخيراً ما قاله رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في خطاب القاه امام
قواته في العراق تناولته كافة وسائل الاعلام حيث اتهم ما سماه فيروس التطرف
الاسلامي بتهديد الأمن الدولي، ان هذا الخطاب الغربي الآحادي الجانب والنظر،
يؤثر في خلق الخطاب الديني المضاد خطاب ردة الفعل الناتج عن الفعل الغربي
المتمسح بالدين المسيحي من حين إلى آخر رغم مناداته ورفعه لشعار العلمنة.
لا شك ان الخطاب الديني-العربي في محنة، فهو مستغل إلى ابعد حدود حتى بات في
بعض الأحيان مصطنع من قبل بعض الجهات الداخلية او الخارجية لتحقيق مآرب خاصة.
من هنا تأتي صعوبة وضرورة حل اشكاليات هذا الخطاب الديني، وهنا نتساءل عن دور
الخطاب الاسلامي الجديد في القدرة على حل تلك الاشكالية؟
في الحقيقة ان الخطاب الاسلامي الجديد لا يزال يتكون ويقوى وهو آخذ في التشكل،
ولكننا من الصعب ان نحكم بوجود خطاب اسلامي جديد واحد. قد يوجد أكثر من خطاب،
ولكن المرجو ان يتحلى بخصائص ثابتة لكي يكتب له النجاح والاستمرار، في هذا
المضمار يمكن الاستفادة من تجارب الآخرين وما يرونه في الخطاب الاسلامي الجديد
المرجو، فبرأي روجيه جارودي ان مستقبل الخطاب الاسلامي يتوقف على:
"1- مجهوداته من اجل ان يعيد مرة أخرى نشر جميع الأبعاد التي صنعت في الأزمان
الغابرة، عظمته وانتشاره، وبعده العالمي، كونه لم يقتصر على هذا التقليد والعرف
او ذلك السائد في الشرق الأدنى او على ماضيه، بل انه انفتح على جميع الثقافات
وأقر التكافل العظيم بين الشرق والغرب للديانات المنزلة.
2- بعده الداخلي وحب الآخرين.
3- بعده الاجتماعي، مستثنياً غابة المصالح المتناحرة وتراكم النزوات في بؤرة
المجتمع وعدم ترك البؤس للآخرين".
هذا الرأي استقيته من مفكر عالمي فرنسي الجنسية (اختار الاسلام) وهو منظر سابق
للحزب الشيوعي الفرنسي وذلك لامكانية رؤيته للخطاب الاسلامي ومستقبله من منظور
غربي-اشتراكي. وفي ذات التوجه يحدثنا روبرت كرين وهو مفكر وسياسي امريكي سابق
اختار الاسلام وله خطابه الاسلامي ونظرته للمستقبل يقول:"في اعتقادي انه يجب
التركيز على بناء فكر عال للمفهوم الاسلامي بين الشباب بشكل خاص، يجب ان يفهموا
العالم الحديث، ويجدوا ردوداً اسلامية لكل المشاكل المطروحة في المجتمع. ومن
جانب آخر يجب ان ننمي ونطور قيادة فكرية بين المسلمين، وفي كل حقوق المعرفة،
ويكون الهدف من كلا الأمرين هو تدعيم العدل والعدالة في العالم. وهذا يجعل
الاسلام قوة ايجابية تنطبق على الغرب كما تنطبق على العالم الاسلامي".
الباب الرابع: مواصفات الخطاب الجديد والمعوقات امامه:
ان الخطاب الاسلامي الجديد والمقصود، هو الخطاب الجوهري للدين البعيد عن الفعل
وردة الفعل، الخطاب الموضوعي الوسطي البعيد عن الغلو والتطرف، انه الخطاب الذي
يجسد حقيقة الاسلام وربما هنالك سعي واتجاه نحو هذا الخطاب، الا انه لا يقدر ان
يمنع الخطابات الأخرى او ان يحد منها، لذلك لا بد من احتضانه وتبنيه لأنه يشكل
نقطة التوازن ويجب حمايته وايجاد الظروف المساعدة والملائمة له، واحترام من
يحمله وعدم التعرض لهم.
فكلما اقترب الخطاب الاسلامي وقضاياه الكبرى كلما زادت قدرته على حل اشكاليات
الخطاب الديني. انه فعل ايمان بدور الرسالة الاسلامية من جديد، واظهار على
مستوى العالم أي ابراز الخطاب الاسلامي العالمي، فعندما انتشر الاسلام في
العالم:
كان اسلاماً عالمياً موجهاً لكل الناس ويجب ان يعود خطابه اليوم كذلك، لا ان
يتقوقع على نفسه بل ينفتح على كل العالم بما فيه الغرب الذي بدأ يشهد تحولات
ملحوظة نحو الاسلام بالرغم من مختلف الحروب الاعلامية وسواها عليه. وطبيعة
الخطاب الاسلامي العالمية تعتبر ضمانة لانتشاره واستمراره، وهذه حقيقة جوهرية
في الاسلام يجب التنبه لها وخاصة في عصر الانفتاح العالمي الذي تشهده الكرة
الأرضية. قال تعالى:"وما ارسلناك الا رحمة للعالمين".
- الوحدة في الانسانية، فيجب اظهار هذا التوجه في الخطاب الاسلامي، انه التوجه
الذي انطلق منه الاسلام حيث وحد بين الأجناس والألوان وحفظ للجنس البشري مكانته
بعيداً عن التمييز والاستعباد، وان الحركات النضالية اليوم والعاملين في مجال
حقوق الانسان يبحثون عن ذلك من جديد، وهنا تكمن اهمية ابراز هذا التوجه وخطاب
الناس من خلاله وهو خطاب جوهري في الاسلام قال تعالى:"يا ايها الناس انا
خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله
اتقاكم ان الله عليم خبير".
- الحوار وتقبل الآخر: وهذه سمة من سمات الحضارة الاسلامية، وعلى الخطاب
الاسلامي الجديد اعادة احيائها، وتلك السمة ساعدت على دخول الأمم والشعوب في
الاسلام التي بقيت على عهدها رغم ما تعرضت له لاحقاً من قهر وجور. وبالمقابل
حافظ الاسلام على سائر الأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية-الاسلامية،
وهذا دليل عملي على تقبل الآخر كما هو والحفاظ على خصوصياته ضمن احترام متبادل،
هذا الخطاب ساد مع الراغبين في الحياة الانسانية، اما الذين ظلموا منهم وعادوا
فكان لهم شأن آخر. قال تعالى:"ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا
الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد
ونحن له مسلمون".
- الحريات: وهو خطاب قديم جديد يجب احياؤه في ظل خطاب اسلامي متقدم، رفع لواءه
الاسلام منذ القدم حيث اعلن انه "لا اكراه في الدين" وان الناس يولدون احراراً.
وقد سادت هذه الروح من الحرية لفترات طويلة من زمن الدولة العربية-الاسلامية
وادى ذلك إلى ابداع ابناء جميع الأديان والأثنيات والقوميات.
- مواكبة التطور العلمي وما يحققه من خير للأمم من أي جهة اتى، وقد شهدت الدولة
العربية-الاسلامية مظاهر عديدة للتطور العلمي الذي افاد العالم. وحتى الآن
يشارك المسلمون في العديد من مراكز البحث العلمي في العالم الغربي، والخطاب
الاسلامي ينحو هذا الاتجاه من خلال الدعوة إلى العلم والتعلم والأخذ بالحكمة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العلم فريضة على كل مسلم" و"الحكمة ضالة
المؤمن انى وجدها فهو احق بها".
هذه العناوين للخطاب الاسلامي تنقله إلى الواجهة وتجعل منه خطاباً حياً فعالاً
عاماً وشاملاً وان يصبح جزءاً من الظاهرة والطرح الحضاري الراهن. "انه الاختيار
الصحيح والصعب وهو ان نكون جزءاً من الظاهرة الحضارية الراهنة دون أن نفقد
هويتنا الثقافية وخصوصيتنا التنموية، أي تنمية الخاص دون القطيعة او الانقطاع
عن العام. نعيش العصر، نمتلكه معرفياً، نمتلكه عقلياً".
هذا الخطاب الاسلامي المتطابق مع الأصل اصبح ضرورة حيوية لأن المقابل والبديل
المطروح هو التقزيم والمسح امام الغزو الفكري الثقافي الآتي من كل حدب وصوب
والذي يحمل معه طلائع استعمار جديد يصعب الفكاك منه.
واذا كانت تلك هي معالم الخطاب الاسلامي الجديد المأمول، فالمطلوب هو ان نعيش
اللحظة المستقبلية، نخطط لها ونحدد الأهداف ونعمل بجد وصمت. فالأمر ليس بالسهل،
فالضغوطات الخارجية تضغط باتجاه الخطاب المتطرف. فالحصار الذي يفرضه الغرب على
الأمة الاسلامية تمادى وتعاظم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتحولت المعركة ضد
الاسلام. وقد تجرأت إلى حد الوقاحة تلك الضغوطات ومن ورائها لتتدخل مباشرة
بالقضايا الخاصة فضلاً عن القضايا العامة: من مناهج التعليم إلى الأحوال
الشخصية والأسرة، إلى قضايا المرأة، إلى الاتهامات بحيازة اسلحة الدمار الشامل
وممارسة الضغوطات على الدول والتعدي على سيادتها واستقلالها.
مفارقة صعبة ان يتهمك الآخرون بالارهاب في خطابهم السياسي-الديني وانت تفتح لهم
سبل الحوار والتعارف. صورة الاسلام (في الغرب ووسائله) صورة مزيفة تستفز الخطاب
الديني المتطرف وقدر الخطاب الاسلامي الجديد ان يبقى محافظاً على مواصفاته
الأصلية ومطابقته للأصل، ولا بد للعقل المنفتح في هذا العالم ان يستجيب لصوت
العقل والمعرفة. انه قضية خيار ومنهج وليست قضية حماسة وردة فعل، انها صفات
المؤمنين التي سطرت في القرآن الكريم:
"الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
جريدة الرقيب -
في 2 آذار 2004
|